كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} حين أخبر بسراهم. {فِي المدائن حاشرين} العساكر ليتبعوهم.
{إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} على إرادة القول وإنما استقلهم وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا بالإِضافة إلى جنوده، إذ روي أنه خرج وكانت مقدمته سبعمائة ألف والشرذمة الطائفة القليلة، ومنها ثوب شراذم لما بلي وتقطع، و{قَلِيلُونَ} باعتبار أنهم أسباط كل سبط منهم قليل.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} لفاعلون ما يغيظنا.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} وإنا لجميع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولًا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثًا عليه، أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظن به ما يكسر سلطانه، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان والكوفيون {حاذرون} والأول للثبات والثاني للتجدد، وقيل الحاذر المؤدي في السلاح وهو أيضًا من الحذر لأن ذلك إنما يفعل حذرًا، وقرئ {حادرون} بالدال المهملة أي أقوياء قال:
أُحِبُّ الصَّبِيَ السُّوءَ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ ** وَأُبْغِضُهُ مِنْ بُغْضِهَا وَهُوَ حَادِرٌ

أو تامو السلاح فإن ذلك يوجب حدارة في أجسامهم.
{فأخرجناهم} بأن خلقنا داعية الخروج بهذا السبب فحملتهم عليه. {مّن جنات وَعُيُونٍ}.
{وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} يعني المنازل الحسنة والمجالس البهية.
{كذلك} مثل ذلك الإِخراج أخرجنا فهو مصدر، أو مثل ذلك المقام الذي كان لهم على أنه صفة مقام، أو الأمر كذلك فيكون خبر المحذوف. {وأورثناها بَنِي إسراءيل}.
{فَأَتْبَعُوهُم} وقرئ {فَأَتْبَعُوهُم} {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت شروق الشمس.
{فَلَمَّا تَرَاءَ الجمعان} تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر، وقرئ {تراءت الفئتان} {قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} لملحقون، وقرئ {لَمُدْرَكُونَ} من أدرك الشيء إذا تتابع ففني، أي: لمتتابعون في الهلاك على أيديهم.
{قَالَ كَلاَّ} لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم. {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} بالحفظ والنصرة. {سَيَهْدِينِ} طريق النجاة منهم، روي أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى فقال: أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون، فقال: أمرت بالبحر ولعلي أومر بما أصنع.
{فَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر} بحر القلزم أو النيل. {فانفلق} أي فضرب فانفلق وصار اثني عشر فرقًا بينها مسالك. {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} كالجبل المنيف الثابت في مقره فدخلوا في شعابها كل سبط في شعب.
{وَأَزْلَفْنَا} وقربنا. {ثَمَّ الآخرين} فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم.
{وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} بإطباقه عليهم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} وأية آية. {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} وما تنبه عليها أكثرهم إذ لم يؤمن بها أحد ممن بقي في مصر من القبط، وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} المنتقم من أعدائه. {الرحيم} بأوليائه.
{واتل عَلَيْهِمْ} على مشركي العرب. {نَبَأَ إبراهيم}.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة.
{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} فأطالوا جوابهم بشرح حالهم معه تبجحًا به وافتخارًا، ونظل ها هنا بمعنى ندوم. وقيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} أيسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة. {إِذْ تَدْعُونَ} عليه وقرئ {يَسْمَعُونَكُمْ} أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم ومجيئه مضارعًا مع {إِذْ} على حكاية الحال الماضية استحضارًا لها.
{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} على عبادتكم لها. {أَوْ يَضُرُّونَ} من أعرض عنها.
{قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو يتوقع منهم ضر أو نفع، والتجأوا إلى التقليد.
{قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الأقدمون} فإن التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقًا.
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه، أو إن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان، لكنه صور الأمر في نفسه تعريضًا لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح، وإشعارًا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول، وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب.
{إِلاَّ رَبَّ العالمين} استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله.
{الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد كما قال تعالى: {والذى قَدَّرَ فهدى} هداية مدرجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار، مبدؤها بالنسبة إلى الإِنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم، ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بلذائذها، والفاء للسببية إن جعل الموصول مبتدأ وللعطف إن جعل صفة رب العالمين فيكون اختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية وقوله: {والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} على الأول مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده، وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أن كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم.
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} عطف على {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} لأنه من روادفهما من حيث إن الصحة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب، وإنما لم ينسب المرض إليه تعالى لأن المقصود تعديد النعم، ولا ينتقض بإسناد الإِماتة إليه فإن الموت من حيث إنه لا يحسن به لا ضرر فيه وإنما الضرر في مقدماته وهي المرض، ثم إنه لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي تستحقر دونها الحياة الدنيوية وخلاص من أنواع المحن والبليات، ولأن المرض في غالب الأمر إنما يحدث بتفريط من الإِنسان في مطاعمه ومشاربه وبما بين الأخلاط والأركان من التنافي والتنافر، والصحة إنما تحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المخصوص عليها قهرًا وذلك بقدرة الله العزيز العليم.
{والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} في الآخرة.
{والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين} ذكر ذلك هضمًا لنفسه وتعليمًا للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر، وطلب لأن يغفر لهم ما يفرط منهم واستغفارًا لما عسى يندر منه من الصغائر، وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث: {إِنّي سَقِيمٌ}، {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا}، وقوله هي أختي، ضعيف لأنها معاريض وليست خطايا.
{رَبّ هَبْ لِي حُكْمًا} كما في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق. {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره.
{واجعل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاخرين} جاهًا وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين، ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه، أو صادقًا من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
{واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} في الآخرة وقد مر معنى الوراثة فيها.
{واغفر لأَبِي} بالهداية والتوفيق للإِيمان. {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين} طريق الحق وإن كان هذا الدعاء بعد موته فلعله كان لظنه أنه كان يخفي الإِيمان تقية من نمرود ولذلك وعده به، أو لأنه لم يمنع بعد من الاستغفار للكفار.
{وَلاَ تُخْزِنِى} بمعاتبتي على ما فرطت، أو بنقص رتبتي عن رتبة بعض الوراث، أو بتعذيبي لخفاء العاقبة وجواز التعذيب عقلًا، أو بتعذيب والدي، أو يبعثه في عداد الضالين وهو من الخزي بمعنى الهوان، أو من الخزاية بمعنى الحياء. {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الضمير للعباد لأنهم معلومون أو ل {الضالين}.
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي لا ينفعان أحدًا إلا مخلصًا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته، أو لا ينفعان إلا مال من هذا شأنه وبنوه حيث أنفق ماله في سبيل البر، وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عباد الله مطيعين شفعاء له يوم القيامة. وقيل الاستثناء مما دل عليه المال والبنون أي لا ينفع غنى إلاَّ غناه. وقيل منقطع والمعنى لكن سلامة {مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} تنفعه.
{وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون بأنهم المحشورون إليها.
{وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ} فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها، وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد.
{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم. {هَلْ يَنصُرُونَكُمْ} بدفع العذاب عنكم. {أَوْ يَنتَصِرُونَ} بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار كما قال: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون} أي الآلهة وعبدتهم، والكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها.
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} متبعوه من عصاة الثقلين، أو شياطينه. {أَجْمَعُونَ} تأكيد لل {جُنُودُ} إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير و{مَا} عطف عليه وكذا الضمير المنفصل وما يعود إليه في قوله: {قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تالله إِن كُنَّا لَفِي ضلال مُّبِينٍ} على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله: {إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبِّ العالمين} أي في استحقاق للعبادة، ويجوز أن تكون الضمائر للعبد كما في {قَالُواْ} والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة، والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها.
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون فَمَا لَنَا مِن شافعين} كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء.
{وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} إِذِ الأَخِلاَّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إِلاَّ المتقين، أو فما لنا من شافعين ولا صديق ممن نعدهم شفعاء وأصدقاء، أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق، وجمع الشافع وحدةال {صَدِيقٍ} لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق، أو لأن ال {صَدِيقٍ} الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء، أو لإِطلاق ال {صَدِيقٍ} على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل.
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} تمن للرجعة أقيم فيه لو مقام ليت لتلاقيهما في معنى التقدير، أو شرط حذف جوابه. {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} جواب التمني أو عطف على {كَرَّةٌ} أي: لو أن لنا أن نكر فنكون من المؤمنين.
{إِنَّ فِي ذَلك} أي فيما ذكر من قصة إبراهيم. {لآيَةً} لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر، فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير، يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإِشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصور الأمر في نفسه، وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضًا وإيقاظًا لهم ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول. {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ} أكثر قومه. {مُّؤْمِنِينَ} به.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} القادر على تعجيل الانتقام. {الرحيم} بالإِمهال لكي يؤمنوا هم أو أحد من ذريتهم.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} ال {قَوْمٌ} مؤنثة ولذلك تصغر على قويمة وقد مر الكلام في تكذيبهم المرسلين.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} لأنه كان منهم. {أَلاَ تَتَّقُونَ} الله فتتركوا عبادة غيره.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} مشهور بالأمانة فيكم.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله سبحانه.
{وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} على ما أنا عليه من الدعاء والنصح. {مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرره للتأكيد والتنبيه على دلالة كل واحد من أمانته وحسم طمعه على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء في {أَجْرِيَ} في الكلمات الخمس.
{قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} الأقلون جاهًا ومالًا جمع الأرذل على الصحة، وقرأ يعقوب {وأتباعك} وهو جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال، وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية، حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعًا عن اتباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه ودليلًا على بطلانه، وأشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك:
{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إنهم عملوه إخلاصًا أو طمعًا في طعمة وما عليَّ إلا اعتبار الظاهر.
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّي} ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله فإنه المطلع عليها. {لَوْ تَشْعُرُونَ} لعلمتم ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون.
{وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} جواب لما أوهم قولهم من استدعاه طردهم وتوقيف إيمانهم عليه حيث جعلوا اتباعهم المانع عنه وقوله: {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} كالعلة له أي ما أنا إلا رجل مبعوث لإِنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا أعزاء أو أذلاء فكيف يليق بي في طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء، أو ما عليَّ إلا إنذاركم إنذارًا بينًا بالبرهان الواضح فلا عليَّ أن أطردهم لاسترضائكم.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نُوحٌ} عما تقول. {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} من المشتومين أو المضروبين بالحجارة.
{قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} إظهارًا لما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم عليه.
{فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} فاحكم بيني وبينهم من الفتاحة. {وَنَجّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين} من قصدهم أو شؤم عملهم.
{فأنجيناه وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون} المملوء.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} بعد إنجائه. {الباقين} من قومه.
{إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} شاعت وتواترت. {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.